نصيحة جدي ولحن الوداع

بغابة الحب المظلمة, وبعد ذكريات الحب الأليمة التي مضت على رماد ذاكرتي وكأنها خرز منظوم والعقل مخرز, أتأمل صفات وجهها بين طيات بركة الماء الذي يقسم وجهها إلى عدة صور, أستنشق ريح الماء الممزوج بعطر ورود الليل والندى الذي يتساقط بلا لون كما حياتي, ودعتها كأنما اليوم الأخير في هذه الحياة التي سئمتها بسببها,
أعود أدراجي وكأنما لم أكن معها يوما قط, لا شيء ينسيني آلام السنين وألمها غير فنجان قهوتي الذي أصبح لا طعم, وبأذني لحن وكأنما هو لحن الموت الذي يسمعه كل امرئ في آخر لحظات حياته, صعود سلم المنزل الذي كان متعبا لم يعد كما كان, وكأنما كل شيء مضى احساسه المعهود, وبكل لبنة أدوس فوقها صورتها وصورة من الأيام التي كانت كما الصعقة التي يَنْهَدُّ كل جبل ويُدَكُّ لما يسمعها, وذلك اللحن يكاد لا يتوقف كأنما هو أطول من الماموت عمرا وأكبر قعاب(1) اللبن حجما, وريح الأمس يدخل بين طيات كل صورة ويخترق شبكات المحاجر(2) ليخرج معها دمعة أعظم من البحر في عمقها, لأعود راكضا بعدها إلى غابة الحب المظلمة.
بتلك الغابة المظلمة صباح مساء أرى جدي الميت وهو يدعوني لأقترب منه فأجزع جزعا كبيرا, لا سيم وأنها فارغة كعادتها فلم يكن يأتي إليها سواي, وكان مكاني المفضل الذي أجد به راحتي والجد زيزو يدعوني للركض لأصل عنده وكأنما تجاعيد كفيه سطور بها كلمات يقسم قارئها أنها نصائح من الزمان الغابر فأدنو منه ويدنو مني ليهمس همسة خفيفة مفادها : " أنت لا تسمع إلى النصائح إذ تقال لك , لطالما حذرتك من ذلك الإحساس الذي اسمه حب, لطالما أخبرتك أنه كاذب, ما أنت تسمعه الآن ليس لحن حب ليس لحن حنان , إنه لحن الموت , إنه لحن الوداع ".
أفتح عيني لأرى الظلام أمامي وكأس القهوة البارد أمامي قد سكب علي فأحس ببرودة عميقة بين أطراف قدمي ويستمر في الصعود إلى أن يصل إلى عيني لأحس بعدها بحرارة تكاد تقتلع بها عيناي لتغمض.
لقد كان التركيز كله على الحب والوداع وكان الموت أقرب إلي من الإثنين ليكون آخر شيء أسمعه في حياتي "نصيحة جدي ولحن الوداع".

جمييل مرسي

[size=48]good[/size]